لقد ترك كل الناس كل ما فاه به اللاعبون بل الأبطال المصريون الذين ذهبوا في مهمة مستحيلة حاملين الكأس معهم إلى أدغال غانا ليواجهوا الأسود و الأفيال و النمور والقرود بل و الجن الأزرق نفسه .. وعادوا بالكأس مرة أخرى .. تركوا كل ما فاهوا به في تصريحاتهم منذ إقتناص الكأس من بين براثن الأسد الكاميروني العجوز ، وحتى هذه اللحظة .. تركوا كل شيء إلا شيئا واحدا لم يمر دون تعليق أو تعقيب أو استفهام أو استنكار حتى من قبل البعض . فقد توقف5 الجميع أمام جملة كانت قاسما مشتركا لكل اللاعبين و الجهاز الفني ، أنهم ودون إستثناء أرجعوا الفوز بعد توفيق الله وفضله وكرمه ومنته وعطفه وقدرته وعظمته وحكمته عز وجل إلى مكالمة السيد الرئيس محمد حسني مبارك لهم قبل كل مباراة ، استهجن هذا من استهجن و استنكره من استنكره بل و انكره من انكر ، وانا شخصيا لست أجد في هذا مبالغة تذكر ولا أجد فيه غضاضة ما و لا أستهجن هذا السلوك الجماعي في هذا الأمر ، و لكن ليس مبرري في ذلك أن هؤلاء اللاعبون و الجهاز الفني كانوا على حق تماما فيما يتعلق بتأثير مكالمة السيد الرئيس على معنوياتهم و شحذ هممهم و تنشيط الدورة الدموية في عروقهم ، و إلا كان لزاما على الاتحاد الدولي لكرة القدم - الفيفا - ايقاف ال 12 لاعب الذين لعبوا المباراة - طبعا هما 11 لكن الكثير اضاف سونج لتشكيلة المتنخب المصري لدوره الكبير في نجاح الهجمة اللي جاء منها هدف الكأس - ففي هذه الحالة قد تعتبر مكالمة السيد الرئيس نوعا من المنشطات
أرى تماما أن اللاعبون لم يبالغوا في هذا الأمر ، وهنا أتوقف عن مكانة السيد الرئيس محمد حسني مبارك في نفوس و عقول وضمائر أي مصري و بالتحديد تلك الشريحة الكبيرة من اللاعبين الذين ينخرطون في شريحة الشباب بحيث ولد أغلبهم بعد عام 1980 م ، أي بعد تولي السيد الرئيس محمد حسني مبارك رئاسة الجمهورية بعد الرحيل المأساوي الدراماتيكي للرئيس السابق محمد أنور السادات في حادث المنصة ، أي أنهم ولدوا في عهد السيد الرئيس مبارك وترعرعوا في عهده وحققوا ما حققوا في عهده وربما كان هذا بمعث مكانة الرئيس مبارك في نفوسهم وعقولهم وضمائرهم . لقد تحول السيد الرئيس محمد حسني مبارك إلى رمز خالد في نفوس هؤلاء ، فحين تقول .. السيد الرئيس تقفز في مخيلتك في مساحة اللاوعي الباطن أو الوعي الظاهر حتى صورة السيد محمد حسني مبارك . ربما يكون هذا مبررا منطقيا لأن يتهافت اللاعبون ويتقاذفوا الهاتف المحمول لكي ينال كل منهم شرف الحديث مع السيد الرئيس محمد حسني مبارك معتقدا في تأثير هذا على آداءهم في ما سيلي المكالمة من أي نشاط أو عمل .. حتى لو كان ماتش كورة
ربما تختلف الصورة تلك ، و ربما لا تكون منطقية ، في بلد كالولايات المتحدة الأمريكة التي تعاقب على حكمها منذ عام 1980 م كل من : رونالد ريجان ثم جورج بوش الأب ثم بيل كلينتون لفترتين و اخيرا جورج بوش الإبن لفترتين أيضا ستنتهي هذا العام في إنتظار رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية ، فإذا نطقت اسم السيد الرئيس فلا أظن أن تقفز صورة معينة لمخيلة الشاب الأمريكي ، صورة لشخص معين فكلهم يتعاقبون على سياسة واحدة و استراتيجة ثابتة لا تتغير ، عندنا الرئيس هو محمد حسني مبارك أما هم فالرئيس من يرأس السلطة التنفيذية وهو ممثل الحزب الحاكم
ربما كان في هذا ما يبرر ذلك الإندماج بين كلمتي السيد الرئيس و محمد حسني مبارك و تلاقيهما في نفوس المصريين و خاصة جيل الشباب اجيال 1980 م ، ربما كان في هذا ما يبرر تأثير مكالمة السيد الرئيس الفعال على آداء اللاعبين في البطولة و احتفاظهم بالكأس للمرة الثانية على التوالي ، فاللاعبون لم يكذبوا حين زعموا ذلك و لم يكن حديثهم هذا الذي حملته وسائل الإعلام المختلفة ضربا من النفاق و العياذ بالله فإن ما حدث لم يكن سوى إنعكاس للثقافة السياسة الشعبية لهذا الجيل من الشباب الذي لم يشهد تداولا للسلطة بالصورة التي تجري في دول العالم الأول . وهنا فإني أراهن أنه لو كان الفريق الأمريكي لكرة القدم أيضا في اي بطولة خارج حدود الولايات المتحدة ، و إتصل الرئيس الأمريكي ايا كان - و بالذات بوش الإبن - وطلب يكلم اللعيبة يشد من أزرهم ، فأنا أكاد أقسم أن ما حدش حيعبره ، فلو نده عليهم المدرب الفني وقالهم : تعالوا يا رجالة كلموا الريس على التلفون ، فستكون الردود كالتالي
ريس على نفسه يا كابتن
يا عم نفض يا كابتن
قوله مايكل بيقولك انه مش موجود يا كابتن
لما أخلص اللي في ايدي يا كابتن
دماغك يا كابتن
فما ذا إذا كنت لاعب كرة قدم مصري في نهائي بطولة عالمية ، وتلقيت اتصالا هاتفيا من السيد الرئيس محمد حسني مبارك ، فماذا تعني لك هذه المكالمة ، و ما هو تأثيرها عليك ؟