عزلة
فحصار
فإحتلال
سيناريو تتقنه الولايات المتحدة جيدا .. سيناريو تطبقه بمهارة في كل حالة وفي كل حين .. تطبقه بخطى ثابتة .. خطى رتيبة .. بروتين مقيت .. تطبقه بثقة تبعث على الجنون .. عزلة فحصار فإحتلال .. ذات السيناريو يتكرر دوما كالأفلام العربية .. ولكننا وككل فيلم نشاهده للمرة الألف ناتف حول التلفاز لنترقب النهاية .. رغم أنها هي هي .. لاتغيير .. ذات النهاية .. ورغم أننا الخاسرون دوما .. عزلة فحصار فإحتلال .. تصر الولايات المتحدة أن تنفذه كما هو .. دون أي تغييرات تفرضها ظروف المناخ السياسي و تداعياته .. كما هو .. لتثبت لنا ماقاله وزير دفاع العدو الإسرائيلي موشيه ديان قبل حرب أكتوبر المجيدة .. أن العرب لا يقرأون .. و إذا قرأوا لا يفهمون .. و إذا فهموا لا يعملون
أول خطوات هذا السيناريو بدأت بالفعل .. فالشكل الذي عقدت به القمة العربية الأخيرة في دمشق ، يشي بذلك .. كل الظواهر تؤدي و تشير إلى أن سوريا ، في طريقها للعزلة .. غاب زعماء عدة عن القمة وبدا التمثيل ضعيفا عن البعض ، فمقعد لبنان كان فارغا ، ومصر يمثلها الدكتور مفيد شهاب وزير شؤون مجلسي الشعب والشورى .. زعم بعض القادة العرب أن درجة ( سورية ) هذه القمة تتجاوز حدود الرئاسة و التنظيم و إقامة الوفود .. إن درجة ( سورية ) هذه القمة تتعدى ذلك لتفرض وجهات نظر معينة على ملفات عدة من بينها الملف اللبناني و الملف الفلسطيني .. وجهات نظر سورية بمرجعية إيرانية ، أو وجهات نظر سورية تخدم مصالح إيرانية .. سيان .. المهم أن الزعماء العرب توافقوا على مقاطعة القمة ، ومقاطعة سورية قبل مقاطعة القمة . لست أظن أنهم حين توافقوا على هذه الأمر لم يدركوا أن في الأمر شيئا .. أو أنهم كانوا مستريحين البال لم يق في قلوبهم ناقوس الخطر .. خاصة أن العراق لم تغب بعد عن الأذهان ، وكانت بداية ذلك السقوط الدراماتيكي السينمائي للعراق عن طريق المحطة الأولى في هذا السيناريو السابق ذكره
لقد فرض على العراق العزلة .. من أشقاءها العرب بعد غزو العراق للكويت في اغسطس عام 1990 م .. ولم تكن الولايات المتحدة بالطبع بريئة من هذا الغزو .. و لكنها كانت تنتظر أن تأتي الخطوة الأولى منا .. ألقت لنا بالطعم وورطت العراق .. ثم إنتظرت أن نبدأ الخطوة الأولى .. ولم تخطيء فراسة الولايات المتحدة في ذلك فسرعان ما ارتفعت مطالبات الزعماء العرب للولايات المتحدة بأول تدخل عسكري لها في المنطقة ضد العراق في الحملة الدولية التي نجحت في تحرير الكويت في فبراير عام 1991 م .. دخلت الولايات المتحدة المنطقة ، و لم تخرج حتى الآن .. وفرض على العراق الحصار .. حصار شامل .. اقتصادي و سياسي ، غير انساني .. وفي ابريل 2003 سقطت العراق تحت الإحتلال الأمريكي .. وسط عزلة من أشقاءها العرب وصلت إلى حد الامتناع حتى عن إصدار بيانات الشجب و التنديد و الاستنكار .. فالمباركة العربية لهذا الاحتلال كانت جلية واضحة ، و كان مبرر العرب في ذلك هو إسقاط نظام صدام حسين الفاشي ، وسقط النظام الفاشي .. ويا ليت ذلك كان مبعثا لإطمنئنان الأنظمة العربية و إستقرارها
أأسف إذ أكون مضطر في بعض الأحيان ، بل في كثير من الأحيان من العودة إلى التاريخ و الغرق في ملفاته .. و لكني أؤمن أن أمة لا تعي تاريخها جيدا ، لن تكون قادرة على أن تعيش حاضرها .. هي أمة بلا مستقبل . إن سوريا اليوم تقع ضحية ذات السيناريو فبعد أن تمكنت الولايات المتحدة من استغلال التداعيات - إن لم تكن هي من صنعتها - كإغتيال رفيق الحريري و حالة عدم إستقرار الداخل اللبناني لتعلن النظام السوري نظاما فاشيا آخر تحت زعامة ديكتاتور جديد غير مرغوب فيه هو بشار الأسد .. بعد هذا بدأ العرب أيضا الخطوة الأولى دون أن يعوا الدرس و دون أن يسترجعوا الماضي القريب .. وسقطت سوريا في بحر من العزلة
و يبقى السؤال الذي يحتاج إلى أجابة حاسمة وقاطعة .. إجابة تقطع حبل الظنون ، و تعيد إلى العرب صوابهم :
لمصلحة من هذه العزلة ؟
فما زلت غير مقتنع بأن سبب هذه العزلة لسوريا يمكن أن يكمن في التقارب السوري الإيراني .. فحتى لو أفترض ذلك فلا أرى في ذلك الخطر الذي يغلب و يتفوق في الميزان العربي على الخطر الأمريكي و تواجدها العسكري المكثف في المنطقة .. لا أظن الخشية على إختلال النظام الإقليمي في المنطقة لصالح إيران يغلب على الخشية على سوريا التي ستؤدي تلك العزلة المفروضة عليها إلى حصار ربما بدأ بقانون معاقبة سوريا الذي أقره الكونجرس .. و ربما ينتهي إلى آخر فصول ذات السيناريو الرتيب .. إحتلال سوريا
أتمنى أن يعي العرب حقيقة ذلك السيناريو الرتيب .. أن يستفيقوا قبل أن يدخل السيناريو مراحله الأخيرة التي قاربت .. فبعد ما حدث في العراق ، أصبح العراق رأس سهم لتنفيذ كافة مخططات الولايات المتحدة في المنطقة .. وفي نفس الوقت أصبح العراق أيضا مثالا حيا لكل الدول العربية لمصير من يقف أمام الإرادة الأمريكية و بدل أن يكون هذا الحدث نقطة تلاق و تلاحم عربي ضد عدو أمريكي غاشم غاصب .. تحول إلى نقطة تفرق و تشرذم .. ترك الكل سوريا عارية وحدها في مواجهة عدوها الذي عرف جيدا كيف يجرد سوريا من كل أسلحتها ، وحلفائها بل و أشقاءها أيضا .. ترك الكل سوريا و زعيمها بشار الأسد يواجه مصير صدام حسين المؤلم .. لمصلحة من يحدث كل هذا .. إن كل ما يحدث لا يصب سوى في صالح مصلحة أمريكية خالصة .. أمريكية فحسب
ولكننا و كما ذكرت آنفا في مقالي عن أحداث معبر رفح الأخيرة
أننا اليوم نتحمل مسؤولية ليست بالقليلة و لا البسيطة عن ما يحدث لإخواننا في فلسطين بمقاطعة حكومة حماس و فرض عزلة عليها
عزلة سمحت لإسرائيل بأن تفعل ما تريد من فرض حصار قاتل خانق على قوت الشعب الفلسطيني في غزة و في غير غزة
و اليوم نتحمل أيضا مسؤولية ما يمكن أن يحدث لسوريا من جراء العزلة
تلك العزلة التي يمكن أن تسمح لإسرائيا و أمريكا أن تحتل دمشق في أية لحظة
ووالله دون أن تهتز لعربي شعرة
أقولها بصدق
دون أن تهتز لعربي شعرة
و والله أقسم على ذلك
و أمام عيني الآن يمر سيناريو احتلال العراق كشريط سينمائي كئيب .. من العزلة و حتى الإحتلال مرورا بالحصار
ترى هل يظل العرب في رقادهم حتى تطل علينا صحفنا اليومية بمانشيت أليم يصرخ في ضمائرنا فيقول .. إحتلال سوريا