على طريقة زعيم القاعدة أسامة بن لادن جاءت الكلمة الصوتية الأولى للرئيس مبارك أشبه بصيحة ميت من تحت التراب.. أشبه بصدى صوت يتردد من تحت الأنقاض.. أشبه برسالة غريق من تحت الماء.. أشبه بكل محاولات الإنعاش الفاشلة التي يقوم بها النظام وفلوله لطاغية بلغ حالة الـ Flat line وفقاً للتعبير الطبي المعروف.. طاغية مات بالفعل
تألمت كثيراً ! هكذا استهل الرئيس المخلوع كلمته التي تمكنت رغم عدم تجاوزها الست دقائق من أن تقدم دليلاً دامغاً على أن مبارك قد "فيش الهوامش" بالتعبير الدارج الذي لم أجد أدق منه لأصف ما تسلل إلى نفسي من إحساس بأن مصر لن تتمكن مهما بذلت من جهود دبلوماسية وسياسية من إثبات ملكية مبارك وأسرته لأية أصول أو ممتلكات نقدية أو عقارية في أي من دول العالم ناهيك عن استرجاعها، فقد قرر بذات الصلف أن يقاضي كل من طعن في نزاهته وشرفه بدلاً من أن يستغل هذه الفرصة التاريخية لتلميع صورته أمام شعبه والتاريخ إنها فعلاً فرصة تاريخية لم تتسنى لطاغية مخلوع قبله ولكن مبارك أضاعها كعادته، و أنصح المشككون بإعادة قراءة التاريخ ليعلموا مصير الطغاة الذين تناثروا بين من نجوا بجلودهم تاركين وراءهم حتى الثياب ومن لقى حتفه مشنوقاً أو مقتولاً أو منتحراً ثم معلقاً في أحد الميادين.. فالطغاة لا يستحقون حتى لقب رئيس سابق، ومن عجائب ثورتنا أن المسئول الأول عن نكسة مصر الكبرى مازال يتمتع بخدمة فندقية ملكية على أرضها وتحت حماية جيشها، بل ويتمتع بكافة الحقوق التي سلبها شعبه تحت حكم الطوارئ.. المعاملة الكريمة و حق طلب محامي للدفاع وأخيراً فرصة إلقاء كلمة مسجلة لم يستفد منها حتى في تقديم تبريرات واهية لما حدث أو ارتداء ثوب المخدوع فيمن حوله
ولم أتعجب من تمسك الرئيس المخلوع بصلفه وعباراته المتعجرفة، فقد اعتاد أن يخاطب بها شعبه ثلاثين عاماً وأتفهم صعوبة تخلصه منها بسهولة، ولكن ما أثار عجبي وربما حفيظتي أيضاً أن لا يحاول ولو بكلمة واحدة كسب تعاطف جماهير شعبه الغاضبة، بل على العكس من ذلك فقد حرص على شحذ نيران غضبهم واللعب على أوتار الفتنة من جديد بالإصرار على براءته وطهارة ذمته المالية رغم أن عدداً غير قليل من أعضاء حكومته - التي أرغب جدياً في معرفة نص القسم الذي حلفوه - فلة شمعة منورة في سجن مزرعة طرة أو على قوائم ترقب الوصول
ودون النبش في حقيقة نوايا قناة العربية من إذاعة هذه الكلمة الصوتية، فلست ممن يقتنع بسهولة بأن هذا الأمر لم يخرج عن إطار الأغراض الإعلامية البحتة باعتبارها ليست المحرك الوحيد للقناة سعودية التمويل، فرائحة التعاطف الملكي السعودي قد أزكمت أنفي وأنا أستمع إلى كلمات الطاغية المخلوع وهو المنتظر من نظام يتمتع بذات الحدة من السلطوية فهي المحتضنة للعديد من الطغاة وأموالهم كبرويز مشرف وزين العابدين وربما مبارك بعد ذلك، لذا فالأمر يحتاج إلى تحرك دبلوماسي سريع يلتف حول هذه المحاولات الدءوبة لتسهيل هرب مبارك بأمواله من قصاص الثورة العادل الذي امتنع عن طلب رقبة الرئيس المخلوع واكتفى بطلب استعادة أموالنا فحسب
أؤمن أن ليس من السهل لطاغية كمبارك ولا كحزب كالوطني أن يستوعب ويسلم بضياع كل شيء بهذه الصورة، فقد عملوا سابقاً من أجل الالتفاف على الثورة والسعي وراء حلم العودة لتولي مقاليد الأمور، ولكن وبعد أن فقدوا آخر أمل في هذا، لم يدخروا جهداً ولا مالاً في سبيل إضافة الملح على مذاق ثورتنا ليصبح أكثر مرارة في حلوقنا لعلنا نلفظها لنقول : لو يوم من أيامك يا ريس ! إنها محاولة رخيصة خسيسة للشماتة في شعب نفض عن كاهله أغلال القهر.. شعب استكثروا عليه أبسط حقوقه وهو الحرية.. ولذا دعونا نقول لهم : فلتضيفوا الملح كما تشاءون.. فلذة الثورات في مرارتها.. وعائد الثورات لا يكون إلا بمقدار ما بذل من دماء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق