.jpg)
إني لا أشفق علينا .. فقد عشنا ما يكفي وسط النيران ، في زنزانة عفنة مظلمة معتمة
و لكن أشفق على من سيولد في هذه الزنزانة .. دون ماضي و لا مستقبل
أخترت هذه الكلمات لتكون خاتمة المقالة .. ومن الخاتمة .. أستهل مقالتي ، على غير عادتي .. لأغدو كمن ينظر إلى العالم من حوله وهو واقف على قدميه .. لعلي أرى الصورة أزهى .. أو أبصر الأوضاع و أنا على رأسي ، معتدلة و مستقيمة ، مادمت أراها و أنا على قدمي مقلوبة و معوجة .. أو هكذا خيل إلي
سحقا للتاريخ سحقا .. وقد أحلنا التاريخ محرابا نتصوف به هربا من حاضرنا الذي نرفضه .. وقد جعلناه غارا في قلب الجبل نلوذ به من كل ما نعانيه .. فحياتنا عبارة عن مجموعة من الذكريات .. في كل يوم ذكرى .. نجدها إما محفورة في الذاكرة ، أو أننا نستلهمها من أسفل قصاصات نتيجة العام .. أو من بين شفتي مذيع برنامج حدث في مثل هذا اليوم .. سيان .. نلتقط الذكرى ثم نهرب معها إلى حيث نبكي إن كانت الذكرى مأساة ، أو نضحك إن كانت ملهاة
و اليوم نعيش ذكرى مؤلمة .. ذكرى تنحي الزعيم الخالد جمال عبد الناصر .. 9 يونيو .. 9 يونيو 1976 م .. عندما قال عبد الناصر جملته الشهيرة :
نصل الآن إلى نقطة هامة في هذه المكاشفة ، بسؤال أنفسنا .. هل معنى ذلك أننا لا نتحمل مسؤولية في تبعات هذه النكسة ، و أقول لكم بصدق و برغم أية عوامل قد أكون بنيت عليها موقفي في الأزمة .. فإنني على إستعداد لتحمل المسؤلية كلها .. و لقد إتخذت قرارا أريدكم جميعا أن تساعدوني عليه .. لقد قررت أن أاتنحى تماما و نهائيا عن أي منصب رسمي و أي دور سياسي .. لأعود إلى صفوف الجماهير
كان هذا الخطاب أول إعلان رسمي لنتائج أقسى الهزائم التي منيت بها مصر و الأمة العربية كلها في التاريخ الحديث و المعاصر بعد إحتلال فلسطين 1948م أو ما اتفق على تسميتها بنكبة 48 .. إنها و بإختصار هزيمة يونيو1967 م أو ما اتفق على تسميتها بنكسة 67 . خيانة أم تهور أو قصر نظر أم فساد أم ثقة مفرطة .. سيان أيضا . فمهما كانت الأسباب التي أدت الى تلك النكسة فالمهم أننا هزمنا و سقطنا في بحر من الظلمات عميق .. يغشاه موج في فوقه موج من فوقه سحاب .. ظلمات بعضها فوق بعض .. فما زلنا و للأسف و مع إحترامي و تقديري لمن يخالفني الرأي من المؤرخين .. إن كان هناك من يناقضني الرأي .. فمازالت نكسة 67 تلقي بظلال وخيمة على مصر . وبعد صحوتنا المؤقتة بين عامي 1971 و 1975 م و التي اقتصنا خلالها نصر أكتوبر 1973 م . بعدها عادت مصر إلى سباتها مرة أخرى لتسلم عقالها و زمام أمورها إلى القوى العالمية الثلاث
الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد السياسي و العسكري
الرأسمالية الغربية على الصعيد الإقتصادي
العلمانية على الصعيد الإجتماعي و الديني
كلها كانت خطوات غير محسوبة .. فالانصياع لإرادة أمريكا أوقع مصر في حرج بالغ في أعقاب إتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية .. التي ورغم كوني طالبا في العلوم السياسية في مرحلة البكالوريوس و الآن في المرحلة التمهيدية للماجستير إلا أني لم أطلع على البنود الخفية في تلك الإتفاقية المبهمة الغامضة .. ولكن قدرا من الرشادة في تحليلي مجريات الواقع اليوم يدفعنا إلى التيقن من أن هذه الإتفاقية لم تحقق لمصر بقدر ما حققت لإسرائيل .. ففي حين لا يستطيع مصري الذهاب لإسرائيل وفي حين أن مصر لم تستفد من إسرائيل لا اقتصاديا و لا سياسيا .. و كل مكاسبنا العسكرية كان من الممكن الحصول عليها بالقوة أو باتفاق محدود عسكري فحسب .. أما اسرائيل فلا ريب أن هذه الاتفاقية كانت بمثابة مصباح علاء الدين الذي ما أن حكته أيديهم القذرة إلا و خرج لهم المارد ملبيا كل ما كان لا يعدو قبل هذا مجرد أحلام أضف إلى ذلك ما يتمتع به مواطنيها، الذين يعبرون معبر رفح بسلاسة من يعبر معبر ناتانيا
نكبة أم نكسة أم شيء آخر ذلك الذي نعيش اليوم .. وحدها الأيام تستطيع أن تصم ما نحيا فيه .. فاليوم لم أعد أستطيع أن أفسر شيئا .. فكل الأمور التي تحدث من حولنا لا تخضع لقوانين الطبيعة .. وتشذ عن كل القواعد المتعارف عليها .. الغاز المصري يصدر إلى إسرائيل ب 1.5 دولار رغم أن سعره العالمي 15 دولار .. تعاني مصر بلد نهر النيل من أزمة في القمح و الأرز و القطن .. و العديد و العديد من الأمور التي لا نجد لها تفسيرا .. فما الذي نعيشه اليوم بحق الله
نكبة أم نكسة .. أم شيء آخر
إني لا أشفق علينا .. فقد عشنا ما يكفي وسط النيران .. في زنزانة عفنة مظلمة معتمة .. و لكن أشفق على من سيولد في هذه الزنزانة ..
دون ماضي و لا مستقبل