الثلاثاء، 23 يناير 2018

خطاب المغازلة : ترشح الفريق سامي عنان



"لا شيء يوحد الشعب حول قائده كعدو مشترك.. الناخبون لا يغيرون قادتهم"
                                              (هارفي فيرستين ـ كاتب مسرحي أمريكي)

خطاب المغازلة.. ربما كان الوصف الأدق للخطاب الذي أختار أن يطل الفريق سامي عنان من خلاله لإعلان خوض انتخابات الرئاسة لعام 2018، فبنبرة هادئة، وعبارات قصيرة، وخطاب مسجل غير ارتجالي تجاوز الدقائق الخمس بثوانٍ معدودة، سعى رئيس أركان الجيش المصري السابق الذي يقف على عتبة السبعين، لمغازلة العديد من الأطراف التي ربما كان يراهن أن تقف داعماً له في هذه المعركة التي لا أعتقد أنه كان يثق كثيراً في أن تحقق ما يرجوه، وربما كان أول من غازله الفريق في هذا الخطاب هو "سامي عنان" نفسه، الذي داعب هذا الظهور في داخله رغبة لم تئدها السنوات الماضية في طرح نفسه على الساحة السياسية، ليطرح نفسه كمرشح محتمل لأرفع منصب سياسي في البلاد، للمرة الثانية بعد تراجعه عن الترشح في عام 2014.
لعب الفريق "عنان" على وتر النسيان، وقدم نفسه كمرشح مدني، في محاولة لاستمالة عدد من القوى السياسية، عبر طرح مفاهيم "المشاركة السياسية" و"التعددية" و"العدالة الاجتماعية"، كمفاهيم جديدة على شعب أصبح يتنفس السياسة صباح مساء منذ ثورة 25 يناير 2011، وبدا وكأنه يحاول أن يغض البصر عن تجارب المشاركة السياسية التي تقدم من خلالها مصر نموذجاً لم تعهده بلدان العالم الثالث، حيث يجلس الرئيس وأعضاء الحكومة للاستماع إلى رؤى الشباب وعقول مصر المهاجرة وأصحاب الفكر والرأي، ثم صياغة السياسات ومكاشفة الشعب بها على الأثير، وتحمل فاتورة المحاسبة ومسئولية المتابعة.
 أصر الفريق على مداعبة أحلام البسطاء، من خلال تسليط الضوء عما أسماه "تردي الأوضاع المعيشية"، وكأن غيابه الطويل عن الساحة قد جعله في معزل عما مر به الاقتصاد المصري خلال السنوات السبع الماضية من ظروف صعبة، لم تكن تحتمل استكمال العلاج بالمسكنات التي فقدت مادتها الفعالة، وإنما استدعت تدخلاً عاجلاً مشرط الجراح، تمثل في اتخاذ إجراءات اقتصادية لا تحتمل التأجيل، تلك الإجراءات الصعبة التي تسير بالتوازي مع شبكة واسعة من المشروعات تمتد فوق رقعة الوطن الرحيب لتضمن فرصاً للعمل، وتدفع مؤشرات النمو في العديد من القطاعات، إلى جانب التوسع في البرامج الاجتماعية التي تأخذ بيد الفئات الأولى بالرعاية وتحرص على نقلهم من المناطق العشوائية الخطرة لتضمن لهم سبل العيش والحياة الكريمة.  
أختار الفريق على حد وصفه "نواة مدنية لمنظومة الرئاسة" تحمل في حقيقة الأمر بين طياتها لغماً شديد الانفجار.. اسمين لا يهدأ حولهم اللغط، الأول معفى من منصبه كرئيس سابق لجهاز رقابي، والآخر أكاديمي اشتهر بآرائه النقدية التي طالت يوماً الفريق ذاته. كما طرح الفريق مفهوم "إدارة التنوع والاختلاف" على النحو الذي بدا وكأنه محاولة غزل خجولة لقوى تروج لنفسها وكأنها تتعرض لمحاولة "أقصاء"، في الوقت الذي ترفض فيه كل دعوات الانضواء تحت راية الدولة المصرية، وتفضل الارتكان إلى زوايا بعيدة، تراقب من خلالها ما يجري بعدسة مكبرة تبحث عن بقعة اخفاق في ثوب ما يتحقق جدياً على الأرض.     
ربما لم نجد من غير المنطقي أن يوجه الفريق سامي عنان من خلال خطابه انتقادات للإدارة الحالية للبلاد، حتى وإن بدت تلك الانتقادات لاذعة، أو تحدثت عن الرئيس المنتهية ولايته كمجرد مرشح محتمل، فـ "عنان" في نهاية الأمر كان يحاول طرح نفسه كمرشح منافس، والانتقاد أحد قواعد اللعبة الانتخابية.. إلا أن خصوصية المواجهة التي يخوضها الوطن مع أخطار خارجية وداخلية تتربص وتحيق به المكر السيء.. قد جعلت لغة "التشكيك" التي شابت الخطاب غير قابلة للإعراب، تلك التي استخدمها للحديث حول قدرة الدولة على إدارة ملفات وثيقة الصلة بثوابت سياستها الخارجية وأمنها القومي، لاسيما "الأرض"، و "الماء"، و"مواجهة الإرهاب"، وكذا بذور الشك التي غرسها حول احتفاظ مؤسسات الدولة بمسافة واحدة مع كافة المرشحين، وهي التي لم تنحز أبداً إلا لتراب هذا الوطن الغالي، ومصلحة أبناءه.

وأخيراً... إذا كان الفريق سامي عنان جاداً في وصفه الشعب خلال خطابه بـ "السيد"، فلعله لا يخفى عليه أن هذا "السيد" لم يعد قادراً على ابتلاع الرموز السياسية "الموسمية"، التي تلوح في سماء الوطن كظاهرة كونية لا تتكرر سوى في موسم حصد أصوات الناخبين.. رموز لم يجدها هذا "السيد" تشاطره أفراحه بالتخلص من الفاشية الدينية، واكتمال بنود خارطة الطريق، وعودة دور مصر على الصعيد الدولي، أو يجدها تشد على يديه لتقدم واجب العزاء في أبناءه الذين أرتقوا إلى السماء خلال معركة الوطن المقدسة ضد الإرهاب.

الخميس، 18 يناير 2018

حين قالت له : أحبك !!

                                                                                                                                                                                                                                                        

أسدلت أهدابها.. وقالت له: أحبك..
ثم فتحت عينيها على لا شيء..
فقد كان بمنتهى البساطة قد غادر المكان..
تركها وحيدة، غارقة في دهشتها، مشوشة الفكر تنبش عن المبرر، وساقتها الأفكار إلى الظن أنه الهرب من المسئولية، أو "نزعة شرقية" ترفض أن تبادر الأنثى بالبوح عما يختلج في صدرها من شعور.. وما كان لعقلها ليدرك حقيقة أن الدافع وراء هذا السلوك أنه يخشى في الحب "المباغتة".. حيث كان يكفي أن تتطلع إحداهن نحوه بشغف، ليشيح بناظريه عنها.. أو تناديه أنثى باسمه بغنج ليتوارى خجلاً، أو تطيل أخرى احتواء كفه بنعومة عند مصافحته ليبتل عرقاً.. لذا فقد كانت كلمة "بحبك" من بين شفتيها كفيلة بأن تجعله يقرر الفرار.
ليتها كانت تعلم قبل أن تلفظ هذه الأحرف: ب ح ب ك.. أن طبيعته تفضل الانسياب في الحب، كان يعتقد بأن الحب كالطعام يحتاج إلى نار هادئة وقليل من الصبر لينضج.. كان يرى ضرورة أن تتدفق المشاعر من القلب، ثم تنساب بهدوء ورقة كغدير عذب.. دون صخب أو ضوضاء.. فالمباغتة في الحب تصيبه بالتوتر.. يفقد على إثرها أعصابه، ويصاب عقله بالشلل، ليغدو عاجزاً عن التفكير.. كان يشعر حينها وكأن أحدهم قد تسلل إلى قلبه دون أن يطرق الباب.. كأن تستيقظ على لص داخل غرفة نومك، أو ترتعد من فأر في قلب مطبخك.. لذا كانت كلمة "بحبك" من بين شفتيها أشبه بكوب ماء بارد سقط فوق رأسه فأفقده النطق.
ربما ساقتها الأفكار في هذه اللحظة إلى أبعد من هذا التفكير، فالجرح الذي أصاب كبريائها غائر، والأثر الذي ترتب من وراء هذا السلوك صعب النسيان، وربما تلوم نفسها الآن ألف مرة، وتتمنى لو أنها ما نطقت "بحبك" وتتمنى لو أنها تريثت حتى يبادر هو وإن طال الانتظار.. والواقع أن الأمر كان أشبه بالطهي الذي تحترفه، مقادير منضبطة من المشاعر، ونار هادئة، وقليل من الصبر.. وملعقة تستمر في تقليب هذا المزيج كي لا يصاب بالركود.. لقد تعجلت ما هو كان حتماً آت، فقطفت الثمرة قبل أن تنضج.. نيئة غير ذات مذاق.
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...