الأحد، 23 نوفمبر 2014

وردة وبارود



أخذت عيناه المجهدتان من طول التعب تتأملان  "وردة" حمراء صغيرة مودعة في جيب سترته العسكرية المموهة البالية، وبدا يحاول جاهداً أن يشتم في خجل عبير هذه "الوردة" الذي كان يواجه صعوبة في الوصول إلى أنفه  وسط رائحة التراب والعرق في جسده الأسمر وسترته الرثة بعد نهار طويل قضاه ـ كعادته كل يوم ـ قابعاً في مكانه لايبرحه إلا لبضع لحظات في أوقات الصلاة يستثمرها في قضاء حاجته أو سد جوعه. كانت عيناه تتأملان "الوردة" بينما يملأهما العجب لكونها كانت تبدو كنجمة بيضاء في ليل حالك، أو كزهرة صبار حية أمام شاهد قبر ميت. فقد كانت "الوردة" الغضة شيئاً شاذاً في صورة هذا المجند ذو الجسد المتعب من قلة النوم، والبشرة السمراء من لفح حر الشمس، واللكنة الريفية الغارقة في البساطة. أخذ المجند يتذكر كيف إمتدت هذه اليد الطيبة لتودع في جيب سترته تلك "الوردة". فلم تعتد حياة هذ المجند منذ شهور، سوى على مسيرات يتلوها مسيرات .. شعارات.. هتافات.. سباب.. حجارة.. رصاص.. غاز.. مسيرة تحمل صور الفريق السيسي، وأخرى تحمل لافتات ليد سوداء تلوح بأربع أصابع على خلفية صفراء. لذا فقد أثارت في داخله العجب هذه "الوردة" الفيحاء التي أودعها أحدهم في جيب سترته، فمنذ شهور لم يعتد أنفه غير على استنشاق رائحة الغاز والبارود ولم يعتد صدره سوى على تلقي الحجارة والرصاص.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...